د . عائض القرني
الحرص : تحرك الإرادة ، وانبعاث العزيمة ، واقتناص الفرص المناسبة ، والمسارعة إلى قطف ثمار المنافع ،
وحصد سنابل الفوائد ، وتقييد شوارد المصالح ،والحريص العاقل من لا يزال مراقباً للمناسبات ، ملاحظاً للأوقات ،
حتى يهجم ببصيرته على ما يصلح دينه ودنياه.
والحرص على ما ينفع دليل على صدق النية ، وقوة العزيمة ، وسلامة الطبع واعتدال المزاج ، وغزارة الفهم
، لأن كل عاقل سوي يجتهد في جلب الخير لنفسه ، ودفع الضر عنها،
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (احرص على ما ينفعك ) أعظم دليل على بذل الجهد في حصول المطلوب ، وترك التخاذل والتكاسل بحجة القدر ، فإن هذا دليل القاعدين الفاشلين ،
بل على العبد أن يحرص غاية الحرص على كسب ما ينفعه من الأقوال والأعمال والرزق الحلال ،
ويستفرغ الجهد في تحصيل المنفعة الدينية والدنيوية بأحسن السبل الشرعية .
ولا يهمل مصالحه إلا غافل بليد ، ولا يفرط في مكاسبه إلا أبله رعديد ، فإن الوحي جاء باستثارة الهمم ،
ومناداة العزائم ، وتحريك الإرادات، لتنبعث طالبة فاعلة مؤثرة، تجني الخير، وتجمع الفضائل، وتحصِّل القيم ،
وحِرصُ العبد على ما ينفعه أول أبواب الفضائل ، لأنه مِن عمل النية، ثم يتبعه الحركة الراشدة ،
والتوثب الصادق ، واليقظة التامة ، فيسعى جاهداً في إصلاح نيته ، وإحسان عمله ،
وتعمير مستقبله ، وحيازة رزقه الحلال ، والقيام بمن يعول ، وتهذيب نفسه ، وتقويم اعوجاجه ،
ولا تلقى مفرطاً أضاع نصيبه من الخير إلا لتركه الحرص على نفع نفسه ، ولا تجد محروماً ، من السعادة
إلا من أهمل إرادته ، وعطل عزيمته ، فأنفق عمره في الأماني الكاذبة ،
والخيالات الفاسدة ، والوساوس الخادعة ، حتى بدد العمر في سوق الغبن ، ومزق ثوب الأيام بكف التفريط
، وأحرق شجرة الهمة بنار الخذلان .
إن حرص العبد على ما ينفعه واجب شرعي ، وضرورة عقلية ، بها يصل العبد إلى مصاف الناجحين ،
ومراقي الصاعدين في سلم القبول ، ومعارج التفوق، وبها يطوي بروج الفضائل ،
ويقطع مسارات الخيرات ، فهو سباق لكل عمل نبيل ، وثاب لكل فعل جميل ،
مسارع لكل مقصد جليل ، في قلبه نور الهمة منقدح ، وفي نفسه زند الحرص الصادق محترق ،
فهنيئاً له سموه وتقدمه وتميزه .
قد هيؤوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل